الجودة

الوقوف العائلي النظامي والجودة بالانفجار الكبير وانقسام النفس الأولى إلى أنفس في أجساد عديدة والبشر يرتحلون وينتزعون جذورهم ليزرعوها في أرض جديدة لعلها تنمو وتزهر بسلام. ثم بدئوا في تحسين بيئتهم المتواجدين بها بدلا من الرحيل في كل مرة، فبنوا البيوت وزرعوا الأرض وأوقدوا النار وأنشئوا نظام القبيلة وسنوا القوانين وأرسوا التحالفات لعلها تمنحهم بعض الأمان المفقود والضمان بحياة تستحق العيش. استمر هذا الأمر بالتطور حتى ظهور الشكل المعاصر للعلاقات البشرية ونظام الدولة الحديث، لكن مازال الأمان مفقود في كثير من البلدان والعلاقات والشراكات والبيوت، ومازالت الحروب والصراعات تجثم على الصدور مثل ظل قاتم يهدد بانهيار هذه العلاقات ومواثيق الزواج وعهود السلام الهش في أي لحظة. منذ ذلك الحين أدرك الناس على فترات متفرقة من الزمن أن الرحيل والهجرة أو طأطأة الرأس والتنازل عن الحقوق أو الغرق في البحث عن لقمة العيش أو حتى التنافس على المظاهر الكاذبة للسعادة والبذخ أو الاستسلام والهرب من خلال الإدمان أياً يكن نوعه، أدركوا أنه لن يحسن من جودة حياتهم، ولن يمنحهم الفرح والأمان الذي يفتقدونه أو يعبئ الفراغ داخلهم الذي عبثا يبحثون عما يكمّله ويسعدهم ويتمنونه. لقد بحثوا طويلا عن المعنى الحقيقي لحياتهم ومعنى أن تكون انسانا وأن يكون لوجودك وعملك قيمة تستحق أن تستمر بها الحياة رغم حلوها ومرها. لقد كانت العناية الإلهية ترعاهم دائما بعيونها التي لا تغفل ولا تنام وترشدهم بحنان الأم الرؤوم إلى طريق اليسر والصلاح وتذكرهم أن النعمة والسلام والحب والحرية وكل ما يبحثون عنه، والحياة كل الحياة تنبع من تغيير الداخل وتزكية القلب ثم تصبح نورا وسرورا في الخارج وليس العكس. الأديان والفلسفات والفن والعلم والطبيعة وغيرها الكثير هي لغة السماء وكل منها يكمل الاخر كما نكمل نحن بعضنا بعضاً بدون ألم الانفصال الذي ينهش بشريتنا ويحرضنا ضد أنفسنا وضد الاخرين. سعى الكثير من خلال علم النفس والتنمية الذاتية وحركة الهيبية وغيرها إلى التئام هذا الانفصال الموجع وبرء الجراح النفسية العميقة له وتحسين جودة حياتهم وشعورهم الداخلي ونموهم الروحي وقدرتهم على حل المعضلات في حياتهم ورفع ثقتهم بأنفسهم وإحلال السلام في العالم أو على الأقل عالمهم. فجربوا العديد من التقنيات والرياضات والمفاهيم وسافروا مسافات طويلة، كما فعل أجدادهم من قبلهم، إلى الأماكن المقدسة المباركة والأهرامات وأعالي التبت وجبال الإنديز وسكنوا مع الشامان والصوفية وفي المنتجعات صاموا عن الكلام والملذات الجسدية وغيروا طعامهم ولباسهم ونمط حياتهم وقاموس كلماتهم وتفكيرهم وروتينهم اليومي. تتبعوا حياة الغورو والدراويش والمستنيرين وأهل الكرامات والأثرياء والناجحين الذين بنوا حياتهم من الصفر والمبشرين بالعصر الجديد وقرئوا كتبهم والتزموا بتعاليمهم لعلهم يقتبسون من نورهم ما يضيئون به عتمة نفوسهم المعذبة وتغيير جوانب من حياتهم العصية على التحسن. في تقنية الوقوف العائلي النظامي لا تحتاج إلى أن تقوم بكل ذلك، لأنك لن تستمر بكشط سطح المشكلة طبقة طبقة لسنوات عديدة حتى تجد أثرا يرضيك، وإنما ستتجه منذ البداية إلى التاريخ الأسود لعائلتك حيث العقدة الأصلية (الاشتباك في الديناميكية العائلية النظامية) والذي قد يستمر إلى ثلاثة أجيال أو أربعة وأكثر. ستجد الراحة حين فككتها وأرجعت/ي الحقوق والأحمال النفسية لأصحابها وتحررت/ي من قيودهم حول عنقك وجسدك وأعدت/ي ترتيب النظام بشكل صحيح، هاهنا المعنى من حياتك الذي يسبغ طعما حلوا على كل ما تختاره، حينها فقط افعل ما شئت وكن مع من شئت وسافر حيث شئت وامن وتعلم على يد من شئت، فالنجاح حليفك، وقدرك تصنعه بيدك بدلا من أن تتحكم بك قوى خفية مخزنة في جيناتك وحقل المعرفة الخاص بعائلتك وأنت لا تدري لما تحسين ذاتك لم ينفع معك. فمهما حاولنا الإنكار والمكابرة فنحن جزء من كل، ولا يمكن لقدم أن تتقدم خطوة بدون مساندة القدم الأخرى وبقية أعضاء الجسد لها. أتعلم/ين ما يحصل حين يفشل الجسد في أن يتحرك كمنظومة واحدة منسجمة؟ الشلل الجسدي. وكذلك النفس حين تعجز عن الحركة كمنظومة واحدة مسيرة بانسجام عبر عدة أجيال أو سنوات أو قرون، الذي يحدث ولا مفر منه هو الشلل النفسي. لابد للسلام أن يحل داخلنا وداخل أنظمتنا المختلفة قبل أن يتجلى في عالم تسوده المحبة والخير والأمان. وهذه هي النوعية الفريدة من الجودة في الحياة التي يعدك بها الوقوف العائلي النظامي والشرفاء من المختصين والمختصات الذين عملوا على أنفسهم وأنظمتهم لفترة كافية تؤهلهم/هن لمساعدتك. هذه الجودة نابعة من جودة نظام الوقوف نفسه. لقد أفنى د. بيرت هيلنجر عمره في تطوير تقنية الوقوف العائلي النظامي وتدريب المستعدين/ات حتى يسهموا/ن في انقاذ الناس من الإحباط وفقدان الأمل بالحياة. ستجد/ين أنت كذلك بعد القيام بعدة وقوفات وترك مساحة راحة وفترة تمتد من ستة أسابيع إلى سنة من حركة النفس لكل وقوف، أن الرحلة في هذه الحياة الطيبة تستحق أن تستمر، وأن المعنى والقيمة لوجودك الثمين جدا ينبع من داخلك براقا كانعكاس نور الشمس على مرايا الذهب. ستكون حياتك رقصة جميلة تشعر/ين بأن لك نفس خفيفة سعيدة مطمئنة مبصرة طريقك الواضح أمامها في أي أرض اخترت/ي الاستقرار بها ومع أي علاقات ونمط حياة اخترت/ي عيشها، ومهما حركت العواصف أمواج المحيط على سطح حياتك تبقى نفسك هادئة ساكنة في أعماقك. فلا يمكن لنفس تحررت من أغلال العبودية أن تعود أبدا. وهذا هو بالضبط ما يعنيه الوقوف بالجودة، سوف تعمل على مشكلة واحدة لمرة واحدة في كل وقوف وبلا أي متطلبات قبلها أو بعدها. فكل نفس متميزة متفردة في اختباراتها وتفعالاتها مع باقي الأنظمة في هذه الحياة ولابد أن يتم التعامل معها باحترام وتقدير وحيادية. وعلى هذا الأساس يعمل الوقوف بلطف وهدوء، بلا غصب لها على ما لا تريد أو استعجالها لتصل إلى وجهتها قبل أن تكون مستعدة وقادرة على الوصول، وحتى لا تنهار تحت وطئت الضغط الشديد وإنما تتحرك كالكواكب في فلكها. فلا يصح أبدا أي نظام يتعامل ويفصل تقنياته بمقاس واحد على جميع الأنفس ولا يراعي قوتها وسرعاتها المختلفة ولغتها وإرثها القومي. يقول أبو القاسم الشابي: " إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر في جوها واندثر" أجل ها هو القدر قد استجاب حين أردنا بصدق، ومنحنا تقنية علمية مثبتة يسيرة عميقة وحقيقة وذات جودة عالية، تمنح أنفسنا راحة البال وجودة الحياة والسلام الذي لطالما سعينا له عبر عصور من البحث عن المفتاح في غير المكان الذي ضيعناه فيه. مهما كانت قاتمة تلك الأحداث والذكريات والحوادث والإرث النفسي الثقيل لنظامك العائلي، فالمفتاح موجود داخل حقلك المعرفي وكل ما عليك فعله هو أن تكون شجاعا ومتقبلا لفتح الأقفال المغلقة عن كل صناديق الأسرار المظلمة التي تحرمك لذة الحياة وأن تترك بعدها لنفسك الزكية أن تختار الناس والأرض والطريق الذين خُلقت لتكون سعيدة معهم ومطمئنة بهم وتنقل هذه النعمة لمن بعدها من أجيال محظوظة بك.